بحث في JanNewsNet

Translate

الجمعة، 28 ديسمبر 2012

قضية الشركس من زاوية أولمبياد سوتشي 2014

ستضيف مدينة سوتشي الروسية الواقعة على ساحل البحر الأسود الألعاب الأولمبية الشتوية عام 2014. وينظر إلى هذه الدورة الأولمبية باعتبارها مشروعا يحمل أهمية رمزية بالنسبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يعتبر هو شخصيا أن هذا الحدث يعكس الطاقات المتنامية لروسيا ما بعد السوفيتية ودورها المتعاظم على حلبة السياسة الدولية. كما يمكن وصف هذا الحدث بأنه جزء من مشروع "عودة بوتين" (بمعنى انتقاله من رئاسة الحكومة إلى الكرملين).


كتب سيرغي ماركيدونوف، الباحث في قضايا شمال القوقاز الروسي
غير أن التحقيق العملي لهذا الهدف الطموح يواجه تحديات جدية، ومسألة الشركس واحدة من أكثرها أهمية بينها.
الشركس هم مجموعة إثنية من شمال القوقاز، وتقطن مجموعاتها الفرعية، التي احتفظ معظمها بالهوية التي منحت أيام الاتحاد السوفيتي، في جمهوريات أديغيا وقبرطا - بلقاريا والقرشاي – الشركس بروسيا الاتحادية. وتضم روسيا ثاني أكبر عدد من الشركس بعد تركيا ولكن خلافا لتركيا حيث حظرت الهويات الاثنية غير التركية لسنوات بينما تعتبر اليوم أمرا مرحبا به في مجال الثقافة فقط أكثر منه على صعيد السياسة، فإن روسيا فيها ثلاث جمهوريات قومية تقطنها مجموعات شركسية أثنية كبيرة متماسكة.
وتجدر الإشارة إلى أن سوتشي تحمل بالنسبة لكل شركسي معنى تاريخيا خاصا.
في هذه المدينة أسس مجلسهم عام 1861 في محاولة لتوحيد القوى المحلية ومنع الامبراطورية الروسية من اجتياح غرب القوقاز.
في ضواحي هذه المدينة أيضا، خسر الشركس معركتهم الأخيرة بتاريخ 21 أيار/مايو 1864.
انتهى الصراع عندما استولت القوات الروسية على آخر معاقل المقاومة الشركسية في غرب القوقاز، حيث يوجد اليوم مجمع   "كراسنايا بوليانا" للتزلج الألبي على الثلج الذي يعد أحد أهم المواقع للألعاب الأولمبية الشتوية القادمة.
من الملفت للنظر أن رئيس اتحاد الجمعيات القوقازية في تركيا سيهان كاندمير قال إن "الألعاب الأولمبية في سوتشي تمثل فرصة لتخطي فظائع الماضي التي ارتكبت بحق الشركس"، علما بأن وجهة النظر هذه تشاركها مختلف الطوائف الشركسية في روسيا وخارجها بلا شك!
ولكن مع الإقرار بأهمية "عامل سوتشي"، لا بد من الإشارة إلى أن "المسألة الشركسية" لم تبرز بعد إعلان  سوتشي مدينة الألعاب الشتوية أثناء اجتماع اللجنة الأولمبية الدولية في غواتيمالا في جلستها الـ119 في تموز/يوليو عام 2007.
فأول موجة من النشاط القومي للشركس في روسيا تبلورت في بداية تسعينات القرن الماضي خلال فترة حكم الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسين. وأخذت هذه الموجة مع مرور عدة سنوات فقط تكسب تأييدا شعبيا لتصبح عاملا هاما للغاية في الصراع على السلطة في شمال القوقاز.
وعلى الرغم من أن غالبية مطالب القوميين الشركس تلقت ردودا إيجابية مناسبة من قبل السلطات الفيدرالية الروسية إلا أنهم    وجدوا أنفسهم شاغلين مواقع ثانوية، في نظرهم، خلف الأغلبية القرشاوية في جمهوؤية القرشاي - الشركس. أما في جمهوريتي قبرطا - بلقاريا وأديغيا (على الرغم من وجود غالبية روسية فيهما)،  فتمكن الشركس من فرض سيطرتهم على هيئات السلطة المحلية.
وتجدر الإشارة إلى أن مصطلح "الإبادة بالجملة" بالارتباط بأحداث العام 1864 راح يستخدم في تشريعات بعض الجمهوريات القومية  لروسيا الاتحادية (كقبرطا - بلقاريا عام 1992 وأديغيا عام 1996). أما في أبخازيا فحارب حوالي 2500 متطوع شركسي على مدى 14 شهرا من النزاع المسلح مع جورجيا وذلك للروابط الاثنية بينهم وبين الشعب الأبخازي. فأثناء الحرب وحتى بعدها، بين عامي 2005 و2007، كان القبرطي سلطان سوسناليف رئيسا لهيئة الأركان قبل أن يصبح وزيرا للدفاع  في أبخازيا. لكن خلال تلك السنوات كانت قضية الشركس بمثابة "مشكلة صغيرة" في العلاقات بين مركز روسيا الفيدرالي ومناطقها. واستوعبت النخب البيروقراطية المحلية التي كانت قد تكيفت مع ظروف ما بعد الاتحاد السوفيتي بعض أجزاء الحركات القومية في مؤسسة الحكم.
ولكن المحاولات اللاحقة لتوسيع سياسة دمج المناطق، والتي اتبعت سابقا بنجاح في منطقتي سيبيريا والأورال، تسببت في شمال القوقاز في نشوب "معارك سياسية في سبيل "إعادة قراءة التاريخ".
ففكرة دمج منطقة أديغيا في إقليم كراسنودار التي تم طرحها عام 2005، أثارت نقاشات حادة حول الماضي التاريخي للشركس. وأطلقت الحركة الشركسية حملة للمطالبة بالاعتراف بـ"الإبادة بالجملة" التي كانت قد مورست بحق الشركس في روسيا القيصرية قبل عام 1917. وبالتالي ساعدت الألعاب الأولمبية في سوتشي على الترويج أكثر للمضمون السياسي للقضية الشركسية وإن لم تتسبب في إعادة فتحها، لاسيما فقد زادها تعقيدا عاملان خارجيان.
في 20 أيار/مايو 2011 أعلن البرلمان الجورجي بالاجماع أن الأحداث التي شهدها شطر القوقاز الغربي في الفترة الممتدة من عام  1763 إلى عام 1864 كانت عبارة عن "سياسة الإبادة بالجملة للإمبراطورية الروسية تجاه الشعب الشركسي".
لا شك في أن السلطات الجورجية حاولت معالجة مهامها الخاصة (بافتعال الموقف العدائي لدى الشركس تجاه الشعب الأبخازي وإطلاق عملية سياسية بهدف مقاطعة الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي 2014). مهما كان، فقد رفعت المشكلة إلى مصف "قضية دولية" بفضل خطوة الجورجيين الآنفة الذكر.
كما اكتسبت مسألة عودة الشركس أهمية إضافية خاصة منذ اندلاع الأزمة في سوريا التي يقطنها ما بين 30 ألفا و120 ألف شخص من أصول أديغية. ومنذ نهاية العام 2011 بدأ الشركس السوريون يتوجهون إلى الحكومة الروسية طالبين منها السماح لهم بالعودة إلى أرض الوطن التاريخي.
على الرغم من هذا كله، يبدو أن الحكومة الروسية غير جاهزة بعد  لمعارضة هذا التيار السلبي وللدفاع عن وجهة نظرها، فأهمية العامل الشركسي يهمش باستمرار على الرغم من التأثير الذي يتركه على أوضاع شمال القوقاز، وعلاقات روسيا مع أبخازيا، وسياسة روسيا الخارجية (تجاه الشرق الأوسط على وجه التحديد).
مع ذلك لا بد من الإشارة إلى أن الرئيس الروسي الأول بوريس يلتسن أصدر اعتذارا رسميا عن المعاملة غير اللائقة وغير المبررة للامبراطورية الروسية مع شعوب القوقاز بشكل عام والشركس بصورة خاصة. وجاء اعتذاره بمناسبة الذكرى الـ130 لانتهاء "حرب القوقاز".
كما نجحت روسيا إلى حد ما في تنفيذ مهمة غاية التعقيد، ألا وهي عودة بعض الشركس إلى ربوع وطنهم التاريخي. ويدور الحديث عن شركس كوسوفو الذين هاجروا من هناك إلى جمهورية أديغيا الواقعة في شمال القوقاز الروسي حيث تم اندماجهم في المجتمع المحلي بشكل سلس. وفي 24 تموز/يوليو 2010 وقع الرئيس الروسي السابق دميتري ميدفيديف على القانون حول المواطنين الروس المقيمين في الخارج في صيغته الجديدة المعدلة، موسعا فئتهم لتشمل الأناس الذين عاش أسلافهم في الأراضي التي تقع روسيا الاتحادية فيها حاليا.
إلا أن قانونا واحدا لا يكفي.
تحتاج روسيا إلى وضع استراتجية خاصة واضحة لتسهيل عودة  الناس إلى وطنهم التاريخي ضمن سياسة الهجرة العامة التي تنتهجها البلاد.  ومن الواضح أن هذه الاستراتيجية يجب أن تطرح تفسيرا مترابطا للأحداث التاريخية وأن تبحث عن حلفاء وشركاء في الجاليات الشركسية في الخارج التي يوجد فيها الكثيرون ممن ينظرون نظرة براغماتية واقعية إلى روسيا، خاصة بعد اعترافها باستقلال أبخازيا.
أما المشاكل الأخرى التي يتوجب على روسيا مواجهتها، فتتطلب إيجاد حلول لمسائل الأرض والإدارة المحلية في جمهورية قبرطا – بلقاريا بشمال القوقاز الروسي، وكذلك ضمان تمثيل ملائم في هيئات السلطة في منطقة أخرى هناك وهي جمهورية القرشاي – الشركس.  بهذه الطريقة فقط ستؤمن موسكو لنفسها الفرص العملية  للتخفيف من حدة المخاطر الأثنية السياسية قبيل انطلاق الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي 2014.

(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق