
(الحلقة الثانية عشرة)
وصلتني دعوة الى مكتبي مطلع العام 2010 لحضور ورشة عمل ينظمها مكتب اليونسكو في فندق القدس ، قبلت الدعوة مع ان موضوعها على ما اذكر كان حول الاتجار بالبشر وغيرها من امور ليست ضمن دائرة اهتمامي ولكن كثقافة عامة لا بأس من المرور بكل شيئ .
اما السبب الرئيسي لقبولي المشاركة في الورشة كانت رغبتي في اعادة ترميم علاقتي مع مكتب اليونسكو بعمان سواء الدولي او التابع لوزارة التربية الذي تترأسه السيدة توجان برمامت .

كنت قبل ذلك اتمنى من ان نستفيد كشراكسة من الخدمات التي تقدمها اليونسكو خاصة التمويل المالي وفعلا تعرفت على مجموعة من الاصدقاء في الورشة وعلى مديرة اليونسكو آنا باوليني وغيرهم والتقيت كذلك بالسيدة توجان ، من يعمل في الصحافة او في المؤسسات الحكومية يعلم جيدا ان ورشات العمل والندوات ما هي الا مناسبات لتبادل ( البزنس كارد ) وزيادة الرصيد من العلاقات الاجتماعية على مستويات متعددة وخلال سنوات عملي في الوكالة وقبل ذلك في مؤسسة الاذاعة والتلفزيون حضرت مئات وربما الاف من هذه المناسبات واحمد الله على الرصيد الجيد الذي امتلكه من المعارف والاصدقاء .
تدعم منظمة اليونسكو مشروعات ثقافية متعددة ومنها ما اهتم به شخصيا وهو توثيق التراث الشفهي ، فنحن الشراكسة في الاردن حتى اليوم لم نتمكن من جمع التراث الشفهي بشكل مؤسسي وانما كانت محاولات فردية بسيطة جدا سواء من خلال كتب او كتيبات كما لم نتمكن حتى اليوم من انشاء متحف شركسي .
قبل سنوات وخلال حديث مع الاخ الكبير والصديق الدكتور احمد شركس تحدثنا في هذا الموضوع والطموح بانشاء " دارة الشركس " واخذنا الخيال بعيدا ، فمثلا لو تمكنا من الحصول على منزل شركسي قديم في منطقة جبل عمان التي اصبحت الان متحفا مفتوحا واعني منطقة الرينبو ( التي اتمنى من امانة عمان تغيير اسمها الى اسم اكثر اصالة ) وتكون تلك الدارة بمثابة متحف يوثق للشراكسة ويشتمل على الادوات التي استخدمها الشراكسة عند قدومهم ومراحل تطور البناء الشركسي ولوحات جميلة كما يمكن ان تحتوي الدارة على مرسم ومنتدى ثقافي للمثقفين وغير ذلك من امور ، فمن زار دارة الفنون او من زار مدينة القدس يستطيع ان يحلق بخياله بعيدا ، ان الامر فعلا يستحق المعاناة ولكن من هي المؤسسة الشركسية التي ستتبنى ذلك ....
تحدثت والدكتور احمد شركس كثيرا حول الموضوع حيث ان الدكتور شركس يمتلك مجموعة من التحف الرائعة واهمها حجارة قديمة كانت لبناء قديم في منطقة وادي السير تم القضاء عليه لبناء دكاكين ربما ولعل بعضكم يعلم تلك القصة جيدا .
لليوم يحتفظ الدكتور شركس بتلك الحجارة بمزرعته على ان يتحقق هذا الحلم الشركسي يوما ما وشركس هو مثقف من الطراز الرفيع وكان في منتصف هذا العام قد وثق سيرة حياة شاعر الاردن الاول عرار كما لم يفعل احد من قبل وتناول تفاصيل دقيقة في حياة عرار لم يتطرق اليها احد حيث بذل جهدا كبيرا في ذلك وكنا في " بترا " ومن خلال الصحف قد قدمنا لذلك وشارك شركس كذلك باوراق عمل في احياء ذكرى عرار .
امل من الجمعية الشركسية ان تفكر جديا بانشاء دارة الشركس حيث اننا نمتلك من العنصر البشري الكثير سواء من المهندسين او الفنانيين وغيرهم الذين سيساهمون بشكل كبير في انجاز المشروع وان لم تتسنى لهم فرصة ايجاد بيت قديم من الممكن تشييد بناء جديد بطراز قديم كما فعل نادي الجيل قبل سنوات ولكن مع تضخيم المشروع واذكر ان ابن عمي المهندس سلطان نورالدين ذات مرة تحدث الي حول تشييد منازل من الطين وكان قد اجرى دراسة علمية حول ذلك .
واتطرق ايضا للحديث عن الفنان الاخ الكبير علي ماهر الذي عمل مديرا لدارة الفنون لسنوات طويلة كما انه من الفنانين المرموقين على الصعيدين المحلي والدولي ايضا ، فعلي متعدد المواهب والفنون حتى انه يجيد التمثيل حيث جسد دورا مهما في فلم عالمي قبل سنوات وتعرض على ما اذكر لاصابة انذاك حيث حدثني عن صعوبة العمل والحديث عن هذا الفنان يطول حيث عمل في كلية الهندسة بقسم العمارة بالجامعة الاردنية لسنوات طويلة اضافة الى عمله في هيئة السينما كما يمتلك رصيدا هائلا من المعارف محليا وعربيا ودوليا واحب ان اطلق عليه لقب " شيخ المناسبات " فهو يتواجد في كل مكان .
اثناء تصفحي لمجلدات مجلة الواحة ( نارت حاليا ) وفي اعداد مطلع السبعينيات ابان صدور المجلة وجدت رسمة لشاب بالزي الشركسي مذيلة بتوقيع الطفل علي ماهر يومها ابتسمت فقلت ان الفنان تبدا معالمه في الظهور منذ طفولته .
لا يجب ان تفوتني لوحة المنسف التي يعتز بها علي ماهر ولكن لن احدثكم عنها فان التقى احدكم بعلي يوما ليسأله عن سر تلك اللوحة والطرائف المتعلقة بها ومن يعرف عليا سيستمتع كثيرا بالحديث اليه فهو يمتلك من الدعابة وخفة الظل ما يمتلكه نصف سكان الاردن مجتمعين.
وعلي هو ابن الباشا فواز ماهربرمامت الذي اطلق مجلة نارت مطلع السبعينيات والحديث عن الباشا فواز رحمه الله يطول ويطول وبحاجة الى مئات الصفحات ولكن اقول ان الباشا فواز ماهر رحمه الله كان اول من اصطحبني بسيارته الى روضة الفرع النسائي للجمعية الخيرية الشركسية ( مدرسة الامير حمزة حاليا ) بمطقة عبدون او خلف مبنى الملكية الجديد بمعية والدي في مطلع السبعينيات .
في طفولتي اصطحبني والدي الى المتحف الموجود داخل المدرج الروماني حيث كان في المتحف تماثيل لشاب وفتاة يرتدون الزي الشركسي اضافة الى ادوات بسيطة وكم شعرت يومها بالسعادة حيث ان القوم الذي انتمي اليهم يتواجدون هنا في المتحف فكنت طفلا صغيرا انذاك لم اكن استطيع ان افسر ذلك الاحساس اللذيذ والذي علمت بعدها ان القومية هي مجموعة احساسيس عاطفية فطرية تولد معنا ونشربها مع حليب امهاتنا .
شاركت الجمعية ممثلة بالدكتورة الرائعة سلوى بلقز الى اليوم بلجنة متحف الاردن الذي تقيمه امانة عمان في منطقة راس العين ، انه امر جميل ولكن الامانة نفسها هي من قضت على تراث عمان واصالة المدينة فاستبدلت التاريخ بحجارة ، امانة عمان التي تعاني من الفساد المالي الان عانت منذ زمن طويل من فساد العقول الذي افسد مدينتنا الجميلة عمان وربما مبنى الجمعية الشركسية القديم كان احد ضحايا التدمير الذي احدثته امانة عمان في عاصمتنا الحبيبة .
من يسير بشوارع دمشق او القاهرة او حتى اي عاصمة اوروبية يعانق عبق الاصالة والتاريخ ولكن للاسف من يسير بعمان القديمة يعانق ............ اعتذر ، سامح الله كل من ساهم في تدمير اصالة عاصمتنا الحبيبة عمان .
ان مشاركتنا في متحف الاردن بجناح لا تكفي فعلينا كعشيرة وجزء مهم من تاريخ الاردن الحديث ان نعمل على ايجاد متحف خاص بنا ( دارة الشركس ) فبعد سنوات سنختفي حتى من كتب التاريخ الحديث للاردن ، على الجمعية ان تعمل على توثيق التاريخ بعمل مؤسسي منظم وان لا تعتمد على المحاولات الفردية فحتى اليوم لا توجد في الجمعية لجنة للتراث على اقل تقدير ولكن توجد لجان اخرى ليس لها اهمية ، التراث ثم التراث فالتراث .
الحديث عن هذا الموضوع بحاجة الى ندوات وبحث من مختلف المعنيين وعلينا ان نبحث عن كبارنا ونستمع اليهم ونوثق احاديثهم بالصوت والصورة وهنالك من يمتلكون الان حكايات شفهية لم يوثقها احد فاذكر ان الاخ الكبير ابورامي قات روى لي قصة بناء مسجد ناعور ولديه العديد من القصص لا بد من توثيقها وكذلك الاخ الكبير ابو خالد حمدوخ امده الله بالصحة وهو من مؤسسي نادي الجيل لديه ذاكرة قوية ولطالما استمتعت باحاديثه .
قبل فترة قريبة كنت قد اخبرت فرع ناعور بانزال حجر الاساس المدون عليه التاريخ من فوق سطح الجامع حيث انه يتعرض سنة بعد اخرى للتلف ولكن لا حياة لمن تنادي .
واعرج على جميعة المحافظة على التراث في ناعور التي تقوم بعمل طيب لتوثيق تاريخ ناعور التي يراسها السيد عدنان السواعير وتمثل اهل ناعور من عشائر العجارمة الاكارم والشراكسة واوجه تحية لاخي زاهر جانبيك الذي يقدم كثيرا لهذه الجمعية .
اعود الى حيث بدات فمن الممكن الاستفادة من المنح التي تقدمها منظمة اليونسكو وكنت قد تحدثت مع نبيل عكاش حول هذا الامر وفعلا نقل بدوره ذلك الى ادارة نادي الجيل التي وافقت على تعبئة طلب وقدمناه لليونسكو للاستفادة من احدى المشروعات وفعلا قدمنا الطلب وننتظر الى الان ولكن اتوجه الى النادي بالقول يجب عليكم المتابعة .
خلال تلك الفترة كان نادي الجيل يستعد لحفل الفرقة الذي سيقيمة بمناسبة 60 عاما على تأسيسه فقلت لنبيل لماذا لا نعمل على دعوة مسؤولي اليونسكو للحفل وفعلا قمنا بذلك وحضر عدد من المسؤولين الحفل الذي اقيم في الجامعة التطبيقية حيث حضرت يوم الافتتاح وقمت ونبيل باستقبال ممثلي اليونسكو من الاجانب والاردنيين الذين ابدوا اعجابا بالعرض ولكن لم تتم متابعة الموضوع فيما بعد .
الخص ما سبق باننا يجب ان نعمل كعشيرة على توثيق تاريخنا الشفهي والتفكير جديا بهذا الامر وعاتق ذلك يقع على مؤسساتنا خاصة الجمعية وكل فرد منا بلا استثناء ، فالتراث بمكوناته هو ابرز سمات ثقافتنا التي اختصرناها بالرقص .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق