
بقلم : مهند تحسين حؤبش
حفلت الكثير من الاعمال الادبية الشركسية العالمية وخاصة الادب الروائي المطبوع بصور رائعة لا تصدق خلدت خلالها ماسي عمليات التهجيرالقسرية التي تمت من قبل روسيا القيصرية قبل مائة وسبعة واربعين عاما ضد شعوب الامة الشركسية التي كانت تسكن في شمال القوقاز وما واكبها من الالام ومعاناة انسانية واعمال وحشية لا توصف راح ضحيتها اكثر من مليون شركسي ازهقت ارواحهم خلال اعمال الابادة مع ما واكب ذلك من تدمير وحرق ونهب لمئات المدن والقرى الشركسية التي وقفت امام الاحتلال الاستعماري الروسي بعد عام 1864 وما تضمن هذه الاعمال الوحشية من قتل للاطفال والشيوخ والنساء وممارسة سياسة الارض المحروقة في انحاء القوقاز وما اعقبها من تهجير اربعة اخماس من بقي حيا من الشراكسة بشكل قسري ووحشي الى الدولة العثمانية التي تامرت عليهم مع روسيا القيصرية بصورة بشعة مخزية .ولمعرفة كيفية تعامل الادب الشركسي المطبوع مع هذه الماساة الانسانية والنكبة نستعرض بعض الصور التي تضمنتها رواية (البذرة الاخيرة – اخر المهجرين ) التي الفها المرحوم - (باغرات شينكوبا ) الذي ولد عام 1938 في الابخاز وصدرت له عده كتب واعمال ادبية لعل من ابرزها هذه الرواية التي ترجمت الى خمس عشرة لغة وتمثل واحدة من ابرز روائع الادب العالمي التي جسد خلالها الكاتب ماساة شعب الاوبيخ الذي هجر عن ارضة وزال عن الوجود .
تدور احداث الرواية كسيرة ذاتية للقفقاسي (زاورقان زولاق) الذي يحكي قصة فناء شعبة حيث تسرد الرواية الاحداث التي عاشها شعب الاوبيخ وباقي الشعوب الشركسية والتي سبقت عملية التهجير الى ان تصل الرواية بشكل درامي الى اللحظة الدراماتيكية التي اتخذ بها المجلس الذي يسير امور شعب الاوبيخ قراره الخطير بنزوح هذا الشعب الى تركيا وما رافق ذلك من مناقشات بين اعضاء المجلس حول هذا القرار بين مؤيد للمغادرة بعد اصرار روسيا القيصرية على ذلك والاعتقاد بان الهجرة وقتية ،فيما عارض اخرون رافضين ترك وطنهم والهجرة الى ارض غريبة، داعين الى القتال حتى النهاية الى اخر رجل ،في الوقت الذي اكتظت فيه المنطقة المحيطة بالمجلس يعشرات المئات من شعب الاوبيخ وهم في حالة نفسيه مريرة انتظارا لما سيتخذه المجلس من قرار .
ونقلت الرواية صورة لاحد ايطالها وهو (احمد بن براكاي ) الذي كانت وحهة نظره تتلخص بعدم المغادرة والبقاء بالوطن وترك الروس يفعلوا ما يشاءون بعد انتصارهم على الشراكسة ،وقوله بان الشراكسة اخطئوا بمحاربة جيوش القياصرة لاعتقادهم بان سلاطين الدولة العثمانية يقفون الى جانبهم وينصرونهم ليكتشفوا بعد ذلك ان هؤلاء السلاطين خدعوهم وتامروا عليهم وتخلوا عنهم بتجنبهم الدخول في حرب مع روسيا ،وقوله بانه كان على الشراكسة مهادنة القياصرة كما فعل الجورجيون وموافقتهم على ان يصبحوا من رعايا القياصرة مع احتفاضهم بلغتهم وارضهم ،وتطرقه الى خداع الانجليز للشراكسة وتزويدهم بالاسلحة لقتال الروس وتخليهم عنهم بعد ذلك .
وخلال اجتماع المجلس يتلقى رئيسه رسالة من جنرال روسي يخبرهم فيها بانه لن يكون هناك اي سلام بين الشراكسة والروس وان امامهم خيارين اما الانتقال الى سهول كوبان او النزوح الى تركيا مع التشديد على اصرار القيصر بعدم السماح لاي شركسي في العيش في وطنه في القوقاز ،وان امامهم ثلاثة ايام للنزوح قبل وصول الجيش الروسي الزاحف الى مناطقهم .وبعد ذلك تبين رواية (البذرة الاخيرة ) بان مجلس الاوبيخ اتخذ قراره بالنزوح الى تركيا وسط دهشه مئات المنتظرين في الخارج حيث قام شباب الاوبيخ بعد ذلك بحرق مجلسهم بناء على طلب رئيسه .
وتصور الرواية لاحقا بصورة ماساوية محزنة لا يتصورها العقل استعداد الشراكسة للنزوح وتخبطهم وتخوفهم من المستقبل المجهول وبدء خروجهم من منازلهم واخذ الكثير من الزاد وما تيسر حمله من المتاع وترك مواشيهم الرئيسية مثل الابقار تهيم على وجهها . وفي صورة ماساوية اخرى تتطرق الرواية الى قيام الشراكسة بقتل خيولهم الاصيلة قبل النزوح عملا بالاعراف الشركسية التي تنص على عدم وقوع خيولهم بايدي الاعداء وينبغي ان يقتل الحصان بايدي صاحبة الذي رباه .ثم تصور الرواية ذهاب الشراكسة الى قبور امواتهم وبكائهم جميعا بمرارة والم وحتى الرجال الذين يندر ان يبكوا حسب اعرافهم ووداع امواتهم لانهم ذاهبون الى مكان مجهول لا يعرفون عنه شيئا .
ويصور الكاتب حالة شعب الاوبيخ في تلك اللحظة الماساوية بقوله ان بلاد الاوبيخ يكت في تلك اللحظة جميعها وكأن كل بيت من بيوتها يشيع ميتا في ان واحد . وفي صورة دراماتيكية اخرى يقوم رجال الاوبيخ باطفاء النيران في مواقدهم التي كان من العار اطفائها قبل ذلك حسب الاعراف الشركسية لبخرج الجميع بعدها راكبين وسائرين وهم صامتين ومنكسي الرؤوس الى سواحل البحر الاسود حيث السفن التي تنتظرهم لتهجيرهم عن بلادهم .وفي صورة ماساوية اخرى يسرد بطل القصة قيام جيرانه بنقل امهم المريصة التي لم تنهض من فراشها منذ خمس سنوات على عربة وطلب الام من اولادها بان يتركوها وان يدفنوها حية في وطنها .
ويسرد راوي القصة قيام احد ابطالها باعتراض الذاهبين الى السواحل واشهار سيفه في وجوههم مهددا اياهم وطالبا منهم ان لا يغادروا وطنهم ومذكرا بما ينتظرهم في تركيا من جوع وذل وموت وانهم سائرون للهاوية فيما يرفض الجميع توسلاته ويتجاوزونه مواصلين سيرهم الى اماكن رسو السفن وبدء عملية الرحيل من خلال تجمع الجميع حيث تصور الروية المشهد بصعوبة ايجاد موضع قدم لكثرة المتجمعين للرحيل . ثم تصور الرواية بدء تزاحم الراحلين في الصعود الى السفن التي منع ربابنتها المهجرين من اخذ مواشيهم التي ساقوها معهم معتقدين بانهم يستطيعون اخذها معهم ثم تركها تهيم على وجوهها في السواحل .وفي صورة دراماتيكية تصور رواية -البذرة الاخيرة- رحيل السفن عن شواطيء الشراكسة الازلية حاملة المهجرين وتوجهها الى عرض البحر في طريقها الى تركيا ،ونظر المهجرين لسواحل بلادهم التي اخذت مشارف جبالها تختفي رويدا رويدا في الافق حتى اختفائها عن عيونهم بشكل كامل .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق