
-هل ترى هذا القط الاخضر الجالس على حجري ؟
فقال الاستاذ الكبير للتلميذه الحسناء :
-لست أراه فحسب ، بل أحسده أيضا !
- اذا صرفنا النظر عما يواتيك من تلميح يتناقض مع استاذيتك ، فهل هذا القط موجود حقا ، او انني أتوهم وجوده لأنني أراه وألمسه ؟
-يسرني انك سألت هذا السؤال ، فهو بما فيه من نظره مثاليه الى الامور يؤكد ما تقولين من انك دون العشرين سنا ، ككل الفلاسفه المثاليين الذين كانوا دون العشرين عقلا !
-دعك من سني وأجب عن سؤالي :
-لنفرض انك تسيرين في حجرة مظلمه ، وفجأة سمعت عواء صارخا تحت قدميك ، وشعرت بمخالب حاده أسنان تنشب في ساقك اليمين ، ماذا تستنتجين ؟
-استنتج انني دست على ذيل القط .
-لنفرض انك لم تكوني عارفه بوجود القط في المنزل بسبب انك اخرجته بنفسك منذ ساعة الى الحديقه ، فماذا تستنتجين ؟
-استنتج ان قد تسرب الى المنزل بطريقه ما دون علمي .
-إذا فلا بد انه موجود بصرف النظر عن علمك به . فكيف يتاح لقط لا تبصرينه ولا تسمعينه ولا تشمين رائحته ولا تشعرين بوجوده - كيف يتاح له ان يعضك لو لم يكن موجودا !
-كلام مقنع جدا ، عيبه الوحيد انك لا تسوقه في هيئة اصطلاحات معقده !
-ان الاصطلاحات المعقده هي السبب في جميع الخناقات الفكريه بين الفلاسفه .
-ان الاصطلاحات المعقده التي يخترعها الفلاسفه هي السبب الرئيسي في كافة الخلافات بينهم . فهم يبدأون باختراعها لكي لا يفهما الناس ، ثم ينتهون بألا يفهموها بدورهم !
-إذا فانت تجزم بوجود هدا القط !
-طبعا ، واذا اردت دليلا آخر على وجوده فما عليك الا أن تقفلي عليه المنزل وتسافري لمدة شهر ، تاركه اياه بغير طعام .
-حرام بعدين بموت .
- وهذا هو الدليل على وجوده . فكيف يموت ما ليس موجودا ؟
الحق ان هذا كلام معقول جدا .
-ومع ذلك فلست وحدك التي تورطت في هذا الخطأ الفكري ، فهناك مجلدات كامله كتبها لاثبات هدا الخطأ رجال بشوارب يقف عليها الصقر ولحى كثيفه تعشش فيها دستة عصافير !
-اشكرك لأنك رددت لي ثقتي في وجود قطي الاخضر الجميل .
-العفو يا آنستي ، كنت لا احب لك ان تفرطي في تلك الثقه ! فمن ناحية اللون لا داعي لهذا الاصرار من ناحيتك على انه قط اخضر !
-لكنني اراه اخضر !
-وكذلك انا ولكن ما هو اللون الاخضر ؟
-اللون الاخضر هو اللون الاخضر !
-اللون الاخضر هو انعكاس لشعاع الضوء من جسم القط بدرجه معينه ، ووصول هذا الشعاع المنعكس الى عينيك المركبتين تركيبه معينه الى جانب انها جميله ؟ فلو ان الضوء انعكس بنسبة مختلفه ، او ان عينيك كانتا من تركيبه مختلفه فلربما رأيت على حجرك قطا احمر او ازرق او بنفسجيا ، ولا شك انني كنت سأظل احسده !
-نفسي تبطل البصبصه !
-نفسي تبطلي الفلسفه ! فلا شك ان البصبصه من الناحيه النفسيه اكثر اتساقا من الفلسفه مع الطبيعه البشريه .
-لنرجع الى القط الذي على حجري
-والذي احسده !
-هل هو اخضر أو ليس اخضر ؟
-لنفرض انك مصابه - بعد الشر عليكي لنفترض انني انا المصاب بعمى الالوان ، هل كنت آراه اخضر ؟
-كلا .
-لماذا ؟
-لأنك اعمى ؟
-لنفرض ان كل اهل الحي مصابون بعمى الالوان ، وانهم اتفقوا جميعا على انه قط ابيض لا أخضر ، ماذا يكون لونه ؟
-بالنسبه لهم يكون ابيض .
-اذن فهي مسألة نسبيه ، ولا يصبح اللون اكثر من علاقه بين شعاع الضوه وتركيب عينيك الجميله ، تمام كمسأله صوته
-ماذا عن صوته
-ماذا يقول قطك عادة عندما يجوع ؟
-يقول ناو .
- هذه الناو وبدورها ما هي الا علاقة بين دبدبة صوت القط وبين تركيبة اذنك . فلو أن القط كان ينونو بذبذبه أعلا او أوطى من الدرجه المناسبه لأذنك فلربما سمعته يقول هاو أو هاء ، ولربما لم تسمعي له اي صوت وقلت انه اخرس !
فصوت القط - مثل لونه - مسألة نسبيه محضة ، وكذلك الحال مع منظره العام .
-ماذا تعني ؟
-اعني انك تبصرينه بشكله هذا لأن عينك كما ذكرنا - الى جانب كونها جميله - مركبه بطريقه معينه . فلو ان الله قد حباك بعين نفاذه من نوع الاشعه السينيه لرأيت هدا القط هيكلا من العظام ! ولو انه حباك بعين ميكروسكوبيه لرأيته مجموعه من الخلايا الدقيقه المتلاصقه ! من هذا ترين ان منظر القط ليس إلا مسألة نسبيه محضه ، تمام مثل حجمه .
-حجمه ايضاً !
-طبعا ، فو انك كنت عملاقه في حجم الهرم ونظرت الى الارض لرأيت هذا القط نقطه صغيره في حجم الحشره ، ولنبذته اذا نط على حجرك صارخه يا مامي ! اما لو زاد حجمك عن ذلك حتى قارب رأسك القمر فإن هذا القط لا يصلح بالنسبه لك اكثر من ميكروب مهين يتسرب الى دمائك ، وكنت احسده برضه !
-أراك بهدا الكلام قد ناقضت نفسك والغيت وجود القط .
-ابدا ، كل ما فعلت هو ان الزمته حدوده وأفهمته انه ليس قطاً إلا من الناحيه النسبيه .
-لقد خطرت لي فكره تهدم كل هذا الكلام . لو لم يكن هناك قط حقيقي في مقابل هذا القط النسبي الذي أراه بعيني كيف كان للكاميرا ان تصوره بنفس الصوره التي اراها به ؟
-سؤال وجيه سبقك اليه الفيلسوف راسل ، وهذا ما يدل على مواهبك الفلسفيه الاكيده . لكنني احب ان أسألك انت والسيد المذكور : من الذي ينظر في الصوره التي تسجلها الكاميرا ؟ انه انت او انا او راسل ، ولا مناسبه لافتراض اننا سنرى في صورة القط اكثر مما نرى في القط نفسه . فنحن اذا آمنا بأن الشريط الحساس يسجل كل شئ أمامه ، فليس هناك اي دليل على اننا نرى - بعيوننا العاديه - كل ما سجله الشريط فعلا . ربما يكون قد سجل عشرات من الاشياء التي نعجز عن رؤيتها في صوره القط كما عجزنا من قبل عن رؤيتها في القط نفسه .
-واذاً فانيي اعود للقول بأنك قد الغيت وجود القط . فكيف يكون موجودا اذا لم يكن له لون ولا شكل ولا حجم ؟
- هو موجود في الحدود التي تدركين فيها وجوده بحواسك ، فلو تغيرت تلك الحواس لربما نظرت الى حجرك فرأيت قطاً مربعاً او مثلثا او خماسي الشكل ومن ناحية اللون رما رأيت قطا مشجرا او كاروهات ! ومن ناحية الملمس ربما وجدت قطا خشنا كالقنفذ ، او طريا كبطن الضفدعه ، أو ساقعا كا الثلج ، او ساخنا كأبي فروه الذي اتمنى ان نشويه معا ذات ليله شتاء !
- تصدق بالله ؟ كرهتني فيه ! بس امشي!
-ولماذا تكرهينه ؟ ما عليك الا ان تنظري اليه وعلى انه قط نسبي ! فلو ان معرفتنا بطبائع الاشياء ادت الى ان نكرهها لوقع المستحيل وهو ان اكرهك انا !
فأنت جميله بالنسبه لي ، في حين انك بالنسبه لحيوان آخر - وليكن القرد نفسه - لا تساوين بصله ! بل انك قد لا تجدي سوقا مع رجل من جنس آخر تعود أن يعجب بالأنف الافطس الشعر الاكرت او العيون الضيقه الغائره ! بل انك لن تعجبي عمدة بلدنا الذي اعرف انه لا يحب امرأه يقل وزنها عن قنطار ؟ هل تركت القط لتستلمني؟!
-لا أراك تختلفين عن القط كثيرا، بياض بشرتك الفاتن ليس إلا انعكاسا لشعاع الضوء على عيني، وعطرك الذكي ليس إلا انعكاسا على أعصاب أنفي، وموسيقى صوتك ليست إلا انعكاسا لذبذبات حنجرتك على طبلة أذني! وقد كان يمكن ان تكوني أنت الأخرى - لو اختلفت نسب الأمور بيننا - خشنة شائكة مثل أنثى الكابوريا،أو صلبة مثل السلحفاة، أو لزجة هلامية كبعض أسماك البحر الأحمر! ولكنك لست كذلك لتناسق النسب والعلاقات بيننا، لونك مفصل على قرنية عيني، وصوتك مفصل على قوقعة أذني، وعطرك مفصل على ألياف أنفي، وبالرغم من كل ذلك ها نحن نضيع وقتنا بالكلام الفارغ!
- أرجوك، لا تجعلني أكره نفسي أيضا!
- لا يمكنك أن تكرهي نفسك، فالذي يكره نفسه لابد أن يكون في طريقه إلى مستشفى المجاذيب. أن الحياة تدور كما شرحت لك منذ أيام وفقا لمبدأ اللذة ومبدأ اللذة يستلزم حب النفس، جنبا إلى جنب مع حب الغير. وهذا المبدأ لا يسري على الكائن الحي ككل فحسب بل على كل خلية صغيرة فيه.
- وقد وعدتني بأن تشرح لي هذه المسألة وأخلفت وعدك.
-حد قالك تجيبي سيرة القطط؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق